في الملاكمة.. ساعات كنت باشوف ملاكم
بدأت قوته تضعف قُدام قوة خصمه وضرباته ومع استمرار ضغط الخصم عليه واستغلال حالة الضّعف
دي.. يبدأ في الانهيار ويفقد السَّيطرة على نفسه لدرجة إنُّه يلاكم الهوا مثلًا بضربات طايشة،
أو يروح برجليه من غير وعي لخصمه اللي بيستغل دا طبعًا ويستمر في ضربه
بقسوة وعنف أكتر..
وبصراحة دا كان بيحيّرني.. ليه مابينسحبش؟!.. وإزاي قادر يتحمِّل؟.. وإيه
مخليه مُستمر في معركة خسرانة؟!
ممكن يكون لسَّة عنده أمل شبه مستحيل؟ وللا هو بيعمل كدا علشان رافض فكرة الاستسلام نفسها.. أو رافض فكرة إنُّه يكون مهزوم.. مع إن دا مصيره في النِّهاية وكل الحكاية
مسألة وقت مش أكتر!.. لأن خصمه مش هيسيب الفرصة دي.. يا إما هيفوز عليه بالضربة القاضية أو بالنُّقط..
أو هيستمر في الضَّغط عليه لحد ما يعلن استسلامه.. وعلشان اللَّاعب يستسلم في الملاكمة..
لازم يدي إشارة لمُدربه بإنُّه مش قادر يكمِّل.. هنا بيرمي المُدرب الفوطة أو الإسفنجة.. ودا معناه الاستسلام..
وفيه أوقات المُدرب بيشوف إنه لازم يرمي الإسفنجة من غير ما يستنى إشارة من اللَّاعب اللي
بيكون مش عايز ينسحب وعايز يكمّل رغم كل آلامه..
هنا نظرة المُدرب بتكون غير اللَّاعب لأنّه بيكون شايف
إن دا في مصلحة اللَّاعب وإن الاستمرار معناه انتحار.. ونهاية لمستقبله.. وإن خسارة مباراة
مش معناه الموت.. ولا الفشل مرَّة نهاية العالم.
لمَّا كنت باشوف المُدرب وهو بياخد القرار من غير ما
يستني إشارة من اللَّاعب.. كنت بفكر في إزاي أوقات الواحد بيكون زي الملاكم اللي عمال
ينضرب دا.. بس بيتحمّل رغم ضعف قوته..، بيستمر رغم إنّه عارف بإن النِّهاية محتومة ومعروفة..،
إزاي الواحد بيعند على نفسه عشان خايف من الانسحاب أو الفشل.. إزاي بيتحمِّل
عذابه وألمه.. علشان ماينطقش بكلمة استسلام، وإزاي بيهون عليه الموت.. ولا إنُّه يقع قُدام الضّربات اللي بتجيله من كل مكان.. مهما كانت قوتها!
وأنا بافكر في كل دا.. اتمنيت
لو ألاقي حد يرمي الإسفنجة مكاني ويعلن استسلامي
من غير ما يستنى إشارة مني.. حد لما يلاقيني بانتهي وباهد في نفسي ياخد قرار بالانسحاب
بدالي في الوقت اللي أنا عمري ماهاعلن فيه انسحابي ولا استسلامي!.. حد يقولي إن الهزيمة
في معركة مش معناها هزيمة في الحرب كلها.. وإن الانسحاب في أوقات كتيرة مش معناه ضعف..
وممكن يكون معناه إعادة ترتيب أوراق، وإعادة استعداد للمعركة الجيَّة.
وفي الحياة بنشوف دا.. حد بيخسر مرَّة.. لكن بيكسب
بعدين، حد بيقع مرَّة لكن بيصلب طوله وبيقف وبيكمّل من غير ما يقع بعدين حد بيحزن وبينجرح
وبيتألِّم مرَّة أو مرَّات لكن مش دايمًا!!
المهم.. هو الوقت اللي نعلن فيه انسحابنا واستسلامنا.
والمهم.. يكون
قرار الانسحاب.. مش قرار نهائي وأبدي.. ويكون مجرد خطوة علشان نبتدي من أول السّطر.
والأهم.. إننا
حتى لو مالقيناش اللى يرمي الفوطة بدالنا.. يبقى لازم يكون دا اختيارنا!..
ومن جوانا.. وبإرادتنا.. وباقتناعنا!