ما بين السطور حواديت by نهى الماجد
My rating: 3 of 5 stars
يضم الكتاب إحدى وثلاثون قصة قصيرة، تتراوح القصة ما بين صفحة (حديث عُزلة، حديث حرية، فترة راحة، هو وظله) إلى ثلاث صفحات (أطياف، في كونها المهجور).
تتوافر في المجموعة قواعد القصة القصيرة كفن أدبي يرتكز على سرد حدث ما بشكل مكثَّف دون حوار غالباً، عدا قصة واحدة (رسالة) فهي أقرب للخاطرة أكثر (من وجهة نظري).
(ما بين السطور حواديت) إن كان هذا هو عنوان المجموعة _وهو عنوان ممتاز_ فإننا سنجد أيضا بين تلك السطور أشياءاً أخرى غير الحواديت..، أحاسيس، أفكار، معان، تأملات، ولن نبالغ إذا قلنا وفلسفة خاصة بالكاتبة، بالإضافة إلى قليل من التجارب الذاتية.. تتبلور وتتشكل كل هذه الأشياء لتصنع الكاتبة لنا حواديت بنكهتها الخاصة وبأسلوبها المميز.. وفي السطور القادمة سنرى بعضاً من ملامح أسلوب (نهى الماجد).
تلعب (نهى) دور الراوي في كل قصص المجموعة، تتحدث عن أبطالها بضمير الغائب، ماعدا (خاطرة) رسالة التي تتحدث فيها بصيغة المتكلم..، وتعبر عن أحداثهم باستخدام فعل المضارع في أغلب قصص المجموعة.. وحتى في بدايات القصص نجدها تقول مثلاً.. يُسرع في خطواته، راح يتأملها كعادته، يُعيد قراءة ذكرياته، يجلس في الشرفة، تقود السيارة، تقيد جسده الأغلال، تتسارع نبضات قلبه، يلملم الشتاء بقاياه، ينظر إليهم كأنه يراهم، لا تكف عن الحديث، تنثر الشمس الغروب.. يتابع المشهد، يُلقى قلمه الرصاص، يبدو منهمكاً في عمله، تقف في خشوع.
لا تُدخِلنا (نهى) في الحدث مباشرة وإنما هناك دائماً مقدمة من أربعة أو خمسة سطور تحيكها (نهى) حول بطل قصتها ببراعة وبشيء من الغموض المغري للمتابعة، فهي تعرف هدفها جيداً وتحفظ كل التفاصيل في مخيلتها الخصبة منذ البداية، ثم تبدأ في نثر الخيوط وتأخذنا معها برفق خطوة بخطوة ودون أدنى إحساس بالملل أو التأفف حتى نصل للحظة الضوء والإشباع عبر سيل من الأحاسيس الصادقة التي تقفز من بين السطور لتدخل إلى القلب مباشرة.. إنه ذلك التناغم بين المُبدع والمُتلقي.
شعرت من خلال قراءتي للمجموعة أن (نهى) في حالة بحث دائم عن الآخر، عن التحرر والخلاص والسعادة والوَنس في إيجاد هذا الآخر.. وهو عندها ليس شخصاً بالضرورة.. قد يكون البحر أو المطر أو العزف أو الأرض..، أو شجرة أو قطة!.. بل والأغرب قد يكون الموت!..
وعندما لم يجد بطل إحدى قصصها الآخر أو بالأحرى لم يجد ما يبحث عنه فيه، بل وعلى العكس وجد فيه نقائصه قام بقتله!.. قصة (صراع).
ولنهى فلسفة خاصة في الموت.. فعلى الرغم من اعترافها بأن مواجهته بغيضة وتسبقه لحظات ألم، إلا أننا نراها تجده "يضع نهاية الألم والوحدة" كما في قصة (قصة قصيرة) وتارة أخرى تجد فيه الخلاص والتحرر.. تقول في قصة (طموح لم يُقتل): "تلك الأيام القليلة التي قضاها بالقرب من الموت علمته كيف تكون الحرية!".. وتقول في نفس القصة أيضاً: "مرحباً بالموت، مرحباً بالحرية!".. وتارة تجده ملاذاً أفضل للروح.. "الروح هناك ما هو أفضل في إنتظارها"..، لا تؤمن (نهى) برحيل الأشخاص بالموت وتؤكد أن الأغبياء فقط واليائسون هم من يفعلون.. فالروح باقية ولم يرحل سوى الجسد الفاني الذي "يستحقه هذا العالم الضئيل"، "ليس بالجسد وحده يبقى الإنسان حياً، لكن أكثرهم لا يعلمون"..، كما تؤمن كذلك بالتواصل الروحي وبعلاقة خاصة بين الأحياء والأموات.. "إنها تلك العلاقة الخاصة بين ساكن السماء، وساكن الأرض"..
وهنا نكتشف فلسفة أخرى لنهى.. حيث نجد هذا التنوع الثري في التواصل الروحي تأكيداً لفكرة البحث عن الآخر.. حيث نراه بين حبيبين (مساحة أكبر للحب، أطياف، وأحلام وراء النافذة)، ونراه بين الام ووليدها (حكاية ام، وقصة قصيرة) وبين الإبن والام (نداء متكرر)، وبين الصديقتين (إبتسامة غائبة)..،ثم هناك هذا التواصل الروحي بين الشخص والبحر، أو الشجرة، أو القطة، أو الأرض! كما في (أحاديث قارب، زيارة صامتة إلى وطن، أفكار صيفية، مخلوقات عاشقة).. على الترتيب.. ودائما عند (نهى) نكتشف أن هناك سبباً وراء هذا التواصل الروحي.. وهذا السبب إمّا الإحتياج للآخر المفقود أو الباقي بروحه أو الداعم على الإستمرار وعلى الحرية..، أو الشعور بالضعف الذي يدفع الشخص للبحث عن مصدر ليستمد منه قوته ويعوِّض به نقصاً ما أو خللاً في حياته، وغالباً نرى أن الآخر في هذه الحالة هو أيضاً ضعيف بنفس القدر ولكن ليس بنفس الكيفية، فالطرفان هنا ضعيفان وحدهما، ولكنهما أقوياء معاً فكلاهما يمنح القوة للآخر.
في رحلة البحث عن الآخر نتيجة الإحتياج والضعف نجد أن أبطال (نهى) غالباً يرحلون إلى مكانٍ ما أو بمعنى أدق يعودون إلى مكان طفولتهم الأولى (بكل ما يرمز له ذلك عن السعادة والراحة والأمان وعدم وجود ضغوط).. والبحث هناك عن نقائصهم المفقودة.
لنهى فلسفتها الخاصة كذلك في الحرية.. فهي دائمة البحث عنها..، وربما تجدها مع أبطالها في الموت كما أشرنا، أو ربما تجدها في المطر (أوقات نادرة،حديث عُزلة، وفترة راحة)، أو في الابتعاد عن الأرض واللجؤ إلى البحر (أحاديث قارب)، أو في العزف (لحن أخير)، أو في القرب من الله (رحلة إلى السماء).
الحب (بين رجل وامرأة) غير مكتمل الأركان دائما عند (نهى) ولا ينتهي بالإرتباط وإن حدث ينتهي بالرحيل (أطياف)، أو بالموت (أسباب أخرى للسعادة)، أو بالقتل (صراع)..، ونلاحظ أن هناك حنيناً ما لهذا الحب (في كونها المهجور، وجرأة متأخرة).
المرأة عند (نهى) تأخذ في الغالب أنماطاً إيجابية فهي.. مستقلة، عقلانية، قوية، متمردة، طموحة (أسباب أخرى للسعادة، و أطياف)..، "لا ترغب في أن تتسول فرحة أو دفئاً من أحد" (أفكار صيفية)..، ناضجة، صبورة، وتتحمل المسئولية (إبتسامة غائبة)..، مؤمنة، مثابرة، وفيَّة، عنيدة، حُرَّة، تملك الكبرياء والصلابة (رحلة إلى السماء، حكاية ام، قصة قصيرة، زيارة صامتة إلى وطن، في كونها المهجور، مساحة أكبر للحب، وغريزة)..
ولكنها في قصص مثل(جُرأة مُتأخرة، حينما كانت تروي الياسمين، هو وظله) نرى المرأة في أنماط سلبية مثل.. ضعيفة، مترددة، غير جريئة، يائسة، خيالية، وعصبية.
تؤمن (نهى) بحدوث المعجزات.. "إن المعجزات لم تمت لأن الله لا يموت".. لا شيء يقف أمام الله القادر طالما تتوجه إليه بالدُّعاء المخلص وبداخلك يقين أنه سبحانه وتعالى يستطيع.. (دعاء، أحلام وراء النافذة)
أخيراً أريد القول أنني قضيت وقتاً ممتعاً بين السطور وفي الحواديت.
-------------------
كل ما بين علامتي التنصيص هو منقول من الكتاب حرفياً
View all my reviews
هناك 8 تعليقات:
حلو أوى ملخص قرائتك ورأيك فى الكتاب .. نهى شخصية جميلة وكاتبة رائعة جدا .. بحب أتابعها على المدونة أوى .. وحتى قرأت المدونة كلها .. عندها فلسفة حلوة فى كتاباتها وأوقات كتير بتدينى جرعة تفاؤل
صباح الغاردينيا ضياء
جعلتني أتشوق جداً للقراءة ولمعرفة نهى
جميل سردك ووصفك لطيات الكتاب"
؛؛
؛
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
reemaas
كانت مفاجأة حلوة ع الصبح يا ضيا لما لقيتك كاتب النقد ده .. كإني بتعرّف ع الكتاب أكتر أنا كمان .. :)
حقيقةً ربما أقرأ ما يسطر في مدونتك لكنني لا أعلق على ما أقرأ ..
لكنني اليوم استمتعت بما قرأت تماماً كما لو أني أقرأ كتاب الأخت نهى الماجد ...
ما قرأته هنا نقد أديبٍ عارف بخبايا ما بين السطور .. يدل على قراءتك للكتاب كلمةً كلمةً وأنك عشت تفاصيل القصص والحكايا .
حقاً سعدت جداً بهذا النقد ..
وسعيد بمتابعتك لي خلف الكواليس .. :)
دمت بألف خير .. مع التحية الطيبة .
مروة زهران
نهى تستحق فعلا
وعلى فكرة بافكر أعمل ريفيو تاني لكتابك
ريماس
مساء التوليب ريماس
إن شاء الله تقريه ومتأكد إنه هيعجبك
نهى الماجد
كويس إنها مفاجأة حلوة
والكتاب فعلا جميل جدا ويستاهل أكتر من كدة
بالنجاح والتوفيق دايما
ظلالي البيضاء
أشكرك جدا أستاذنا
سعيد بمتابعتك سواء من خلف الكواليس أو بترك تعليق
بحاول ادخل مدونتك مش راضة
:(
أسعدني مرورك ويارب دايما
إرسال تعليق